كان "لويس كارول" جالساً في مكتبه يقرأ، حين خرجت من بين ثنايا كتابه المفضل الصغيرة "أليس"، تلك الشخصية المحببة للأطفال والتي اخترعها ذات يوم، فأخبرته بأنها ملت من مطاردة الأرنب وساعته الذهبية، طلبت منه أن يرسلها بآلة الزمن، إلى مغامرة أخرى، في مكان آخر في عام 2007. وبعد تفكر وتدبر، قرر أن يرسلها للسعودية، مع أنه لم يكن متأكداً من أن مغامرتها هناك ستكون مثيرة، وقد راهنها على أن تحضر له قائمة بعشرة أشياء عجيبة على الأقل، ووافقت أليس.
وقبل أن تصعد أليس إلى المركبة تذكر شيئاً هاماً وضرب جبهته قائلاً: "مهلاً لا تستطيعين الذهاب إلى السعودية ولا التنقل فيها بدون محرم !" تضايقت أليس، وتطلعت إليه بحثاً عن حل، فقرر "لويس" أن يتصل بصديقه السعودي "خالد " بحثاً عن مخرج، فابتسم هذا الأخير ورد قائلاً: "غالي والطلب رخيص..دع أليس تسافر بالسلامة.. وإن شاء الله عندما تصل هناك سأكون قد وجدت رجلاً سعودياً له زوجة أو ابنة أو أخت اسمها أليس.. وتنحل المشكلة". صرخت أليس: "ولكن هذا انتحال للشخصية..ماذا لو اكتشف أحدهم الحقيقة؟" رد خالد قائلاً: "يا أخت أليس.. لا تخافي .. لن يعرف أحد.. لأنه ببساطة لا توجد صورة للمرأة في بطاقة العائلة.. وما سنقوم به اليوم هو أمر طبيعي جداً.. يتكرر كل يوم".. استمعت أليس إلى نصيحة خالد، وركبت الآلة.. وبعد دقائق كانت في السعودية .هناك في المطار، فوجئت أليس بأنه لا يوجد أحد على المنفذ الحدودي الجوي، وظل الناس ينتظرون لأكثر من ربع ساعة، قبل أن يأتي الضابط المسؤول، وكان حافياً وزيه غير منظم، ويفرك رأسه ويتثاءب كأسد، وحين استفسرت أليس عما إذا كان قد وقع أمرٌ طارئ، استدعى أن يترك هذا الموظف هذا العمل الحيوي، دون أن يقوم بالتنسيق مع من ينوب عنه، قيل لها، بأنه كان في استراحة الصلاة، تعجبت أليس وتساءلت عما إذا كان الحال نفسه في كل دولة فيها موظفون مسلمون ويصلون.. وبدأت تعد قائلة: "واحد "!.ثم كان الأمر كما ذكر خالد، فقد وجدت شاباً سعودياً يحمل لوحة مكتوباً عليها: "أليس آل فرناس"، فذهبت إليه، وأخبرها الشاب واسمه "وليد" أن هذا هو اسمها منذ اليوم، فهي ستكون خلال زيارتها هذه.. أخته، وأطلعها على بطاقة العائلة، فكانت كما قال خالد، ورددت أليس "اثنان"!وبدأت الرحلة.انطلق وليد بسرعة الصاروخ مخترقاً شوارع المدينة، وارتكب العديد من المخالفات المرورية، التي جعلت قلبها يكاد يفر من مكانه، قبل أن يتوقفوا لدى إشارة المرور، نظرت حولها، فوجدت أن كل السائقين ذكور، تساءلت: "والنساء؟" جاءها الجواب : " ممنوع!" ردت: كيف يسمح للأطفال بالقيادة (وأشارت نحو طفلٍ لم ينبت شاربه بعد) ولا يسمح لامرأة راشدة؟!"، رد وليد بقلة اكتراث: سبب منع النساء من القيادة هو قاعدة " سد الذرائع" مقترنة بالخصوصية، أما السماح للأطفال بالقيادة فالسر يكمن في فيتامين "و"، وهذا نوع من الفيتامينات لا يتوفر في أسواقكم يا أليس". لم تستوعب ما قاله وليد فعادت تسأل: "طيب والنساء كيف يتحركن؟" فرد وليد بتأفف: "بكرم الرجال، فإما أن يوصلها أحد أوصيائها بنفسه، أو أن يحضر لها سائقاً أجنبياً، وقبل أن تسأليني كيف يجوز لها أن تركب مع سائق أجنبي، أقول هذا وفقاً لقاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات".. رفعت أليس حاجبيها، لكنها قررت ألا تواصل الحديث في هذا الموضوع، خاصة وقد لاحظت ضجر وليد.. ولكنها رددت.. ثلاثة.. وأربعة !ثم سألته أليس: " وليد..أنت متزوج؟" قال لها بألم: "كنت..ذات يوم"..ردت بسرعة: "وماذا حصل؟ هل انفصلت عن زوجتك؟" جاءها رده الغاضب هذه المرة: "أنا لم أنفصل عن زوجتي.. بل فُصلت عنها.. طلقها القاضي مني.. بدعوى رفعها ابن جدة خالة عمة أبيها لجدها السابع .. بدعوى عدم كفاءة النسب.. فأنا من "طروش البحر" وزوجتي الغالية كانت من "طروش البر " ، ويقولون إن البحر لا يكافئ البر. وبالمناسبة فالذي رفع الدعوى ابنه الذي يدرس في كولورادو متزوج من أمريكية.. وحين احتججت بذلك.. قال لي.. إن الوضع مختلف.. فذاك رجل!".أحست أليس بأنها في عالم أعجب من كل العوالم التي سبق أن عرفتها .. نظرت إليه وسألته.. عفواً.. ولكن في دينكم.. أليس الناس سواسية والمسلمون إخوة؟ رد عليها وليد بابتسامة ساخرة.. بلى.. ولكن هذا الإجراء تم استناداً إلى قاعدة "دفع الضرر" عن هذا القريب وقبيلته.. أما الضرر الذي لحق بي أنا وزوجتي وأولادي.. فيمكن التغلب عليه وفقاً لأحد الأفاضل بالصبر.. فالصبر مفتاح الفرج! وهذا الفاضل قام بعد قليل خطيباً يحث على تيسير الزواج وتقليل المهور وتشجيع التعدد لأن العنوسة استفحلت"، فصرخت أليس عجباً..خمسة!.أضاف وليد.. "بل وأزيدك بيتاً، بأنه حتى عائلتي التي عانت من هذه العنصرية، مارست هي الوضع نفسه، حين منعت أختي من الزواج بجارنا المسلم والذي عرفناه من الطفولة، وهو رجل ذو خلق ودين، بحجة أنه ليس سعودياً، وبالتالي، ففي ذلك تقليل من مستوانا". هنا كانت أليس على وشك الانفجار، سألته بغضب.. "اسمع لقد قرأت الكثير عن أخباركم خلال الثلاثين سنة الماضية، وعرفت بأنكم تطوعتم في حروب كثيرة خارج وطنكم، دفاعاً عن إخوتكم المسلمين والمستضعفين، وبذلتم الغالي والنفيس من الأموال في سبيل قضايا الآخرين، فكيف يستوي هذا، مع تفريقكم بين الناس وتقسيمهم إلى فئات وجنسيات؟!.. أتموتون دفاعاً عنهم.. وفي الوقت نفسه ترفضون مصاهرتهم.. هذا.. عجب عجاب!" رد وليد قائلاً هذه المرة..ستة !.بعد قليل شعرت أليس بالجوع فتوقف وليد لدى إحدى البقالات وأحضر لها طعاماً وصحيفة سعودية، فتحتها أليس وبدأت تقرأ: "تقرر رفع قضية السماح للفتيات بممارسة الرياضة إلى مجلس الشورى لبحثها وإصدار قرار بشأنها".. وبجانبه خبرٌ آخر : " وزارة التربية والتعليم تقر السماح بتدريس المناهج الأجنبية في المدارس الخاصة وبأي لغة"، تشير أليس إلى الخبرين وتسأل وليد.. عما إذا كان ثمة خطأ في الموضوع وإن كان العكس هو الصحيح؟ يجيبها وليد بسخرية: "مشي حالك يا أليس.. سبعة !". تقلب أليس صفحة أخرى.. فتقرأ مقالاً يتحدث عن استهداف المسلمين الطلبة السعوديين في الخارج.. ثم بجانبه تماماً.. تقرأ مقالا آخر مليئاً بالعنصرية تجاه جنسية آسيوية مسلمة.. ومطالبة صريحة بطردها من البلد.. لم تكلف أليس نفسها عناء سؤال وليد هذه المرة بل رددت.. بينها وبين نفسها.. ثمانية !تتوقف سيارة وليد المتواضعة عند إشارة المرور الثانية، بجانبه سيارة فارهة، يركبها رجل بملامح أجنبية غربية، يلوح له وليد فيرد الآخر التحية، قبل أن يذهب كل منهما في طريقه، يحدثها وليد.. "هذا زميلي روجر.. درسنا معاً في جامعة فيرجينيا قبل أن أعود للوطن، لحقني بعد ذلك بأربع سنوات، وهو يعمل في نفس الشركة العملاقة التي أعمل فيها، ويتقاضى راتبي مضروباً في أربعة بالإضافة إلى السكن والبدلات الأخرى"، يتنهد وليد.. ينظر إلى أليس ثم يبتسم ويقول: "كل سنة وأنتِ طيبة!.. وهنا قال الاثنان معاً..تسعة !.شارف الوقت المخصص للرحلة على الانتهاء، فطلبت أليس من وليد أن يسمح لها بأن تستقل سيارة إلى المطار، فضحك، وقال لها، لا يمكنكِ الخروج إلا بورقة مني، لقد سارت الأمور حتى الآن على ما يرام، فاهدئي ولا تخربي الأمور، لأنه لو اكتشفوا بأنكِ لستِ أختي فسنذهب ( وطي) أيتها الغريبة... وصلا إلى المطار أخيراً.. قام وليد بإتمام إجراءات السفر .. واستعدت أليس لوداعه.. أرادت أن تصافحه.. وهنا رد عليها وليد بحزم.. بأنه لا يصافح النساء.. تعجبت منه أليس.. فهي تحترم دينه.. ولكن ألم يكن معها طوال هذه المدة في السيارة وحدهما.. يمزح ويضحك.. الآن فقط تذكر أنها طفلة أجنبية! لكنها لم ترد عليه إلا بكلمة واحدة.. عشرة !.ابتسمت أليس حين قابلت "لويس" بعد العودة، وقالت له بثقة، لقد كسبت الرهان، وعليك أن تجد فتاة أخرى توافق على لعب دور البطولة في رواية " بلاد العجائب"، أما أنا فبعد رحلة اليوم، أجد رحلتي السابقة غاية في الملل. وفي اليوم التالي، كان موقع أمازون الشهير لبيع الكتب على الإنترنت يعرض رواية جديدة اسمها: "أليس في السعودية ".* نقلا عن جريدة "الوطن " السعودية
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
1 comment:
Badawiya,
You are doing a marvelous job here, keep it up.. I've been busy busy busy.. I'll talk to you soon.
Post a Comment